الاثنين، 28 يناير 2013

منهجية مكتب تنسيق التعريب في اختيار المصطلحات العلمية ووضعها




تنفيذاً للتّوجّهات والتوصيات الصادرة عن مؤتمرات التعريب، واسترشاداً باقتراحات الخبراء، عقد المكتب سلسلة من الندوات في موضوع منهجية وضع المصطلحات، تصدَّرتها ندوة الرباط سنة1981م، بعنوان: "ندوة توحيد منهجيات وضع المصطلحات العلمية الجديدة. وقد صدرت عن الندوة المبادئ المرفقة في آخر هذه الورقة.
وفي إطار التحضير لتنفيذ المشروع الخاص بقاموس تقنيّ للعام العربيّ، متعدّد اللغات (عربيّ، إنجليزيّ، فرنسيّ، ألمانيّ)، دُعِيتُ للمشاركة في ورشة متعلقة بترجمة الألفاظ التقنية الخاصة بمجال المياه، نُظِّمَت  بمقر مكتب تنسيق التعريب بالرباط، من 7 إلى10مارس 2011م ، وشارك فيها خبراء ومترجمون  ومصطلحيون ومعجميون  ولغويون، من الجانبين: العربيّ، والألمانيّ. وبالإضافة إلى حضور فريق عمل متكامل، من ناحية التخصص، يُلاحَظ كذلك أنّ التوزيع الجغرافيّ للمشاركين شمل –من الجانب العربيّ- خبراء من مصر، والشام، والمغرب العربيّ، بالإضافة إلى خبراء  من مكتب تنسيق التعريب.كما شمل- من الجانب الألمانيّ-: مُنسِّق المشروع، ومتخصصين من معهد غوتة بالقاهرة، ومن: (Desert Water Agency )Dwaالتي تضم 14000 عضو ، منتشرين في جميع أنحاء ألمانيا، هذه الوكالة التي تهتم، من بين أمور أخرى، بضمان جودة المواصفات والمقاييس ، مما يجعل خبرتها تفيد في مجال المواصفات والمعايير الخاصة بالمصطلحات.
وقد شاركتُ في الورشة بورقة بعنوان: مؤتمرات التعريب ومعايير قَبول المعاجم، التي تُعرَض عليها، تحدّثتُ فيها عن أهم المبادئ الصادرة عن ندوة الرباط، بخصوص اختيار المصطلحات العلمية ووضعها.
 وحرصاً مني على تبادُل الآراء والخبرات مع المهتمين بصناعة المعاجم، المتعددة اللغات، ارتأيت إلقاء الضوء على الموضوع، من خلال التعليق على بعض هذه المبادئ، وذلك على النحو الآتي:
المبدأ ، رقم (2): وضع مصطلح واحد للمفهوم العلميّ الواحد ذي المضمون الواحد في الحَقْل الواحد.
اللغة العربية لغة غنية في مفرداتها، ومن ثَمَّ فإنّ اختيار مصطلح واحد من مجموعة مصطلحات مترادفة، أو قريبة من الترادف، يُشكِّل صعوبة  كبيرة إذا ما أردنا أن يكون المصطلح دقيقاً في التعبير عن مفهوم المصطلح  المناظر له في اللغة الأجنبية (اللغة المصْدَر). ولتوضيح ذلك، نأخذ –على سبيل المثال- المصطلح الإنجليزيّ:(Degeneration). لقد وجَدتُ في بحث للدكتور صادق الهلاليّ (منشور في العدد 39 من مجلة (اللسان العربيّ) سبعة عشر (17) مقابلا عربيا لهذا المصطلح، ذكر الباحث أنه اختار هذه المجموعة من مقابلات عديدة وردت في معاجم وكتب علمية وطبية، وقد سَرَدَ هذه المراجع، وإليكم هذه المقابلات:
اسْتِحَالة-اضْمِحْلال-انْحِراف-انْتِكاس- انْحِطاط- انْحِلال- انْفِساد- تَحَلُّل-تَدَنٍّ- تَدَهْور- تَفَسُّخ – تَلَفٌ-تَنَكُّس- حَرَضٌ- حُؤُول- ضُمور –فَساد.
وبَيَّنَ الكاتبُ أنّ هذه الكلمة الإنجليزية تعني طِبِّيّاً: تحوُّل النسيج أو العضو ، من نوع طبيعيّ سويّ ، إلى نوع أوطأ شكلاً أو بنية أو صفة أو وظيفة، وقد تكون كلمة "تَنَكُّس" أقربَ هذه  المصطلحات المقابِلة لها. ومن  هنا يتضح  مدى  أهمية اختيار المصطلح العربيّ المناسب، في ضوء المبدإ رقم (2) المشار إليه. وأُشِير –في هذا الموضوع-إلى أنه بإمكاننا وضع مقابليْن  عربييْن مختلفيْن للمصطلح نفسِه ، الوارد في اللغة الأجنبية ( اللغة المصدر) ، إذا ورد هذا المصطلحُ في حَقليْن مَعْرفييْن مختلفيْن. مثال ذلك، من اللغة الفرنسية: المصطلح  (propriété) الذي يمكن أن يعني، في مجال العَقار، مِلْكِية. وفي مجال المعادن، خاصية. ولا يمكن أن يكون هذان المقابلان العربيان مترادفين للمصطلح المذكور، في حقل معرفيّ واحد.
-المبدأ ، رقم (6) : استخدام الوسائل اللغوية في توليد المصطلحات العلمية الجديدة بالأفضلية، طِبْقاً للترتيب التالي: التراث، فالتوليد ( لما فيه من مجاز، واشتقاق، وتعريب، ونحت.
يُلاحَظ أن هذا المبدأ أعطى الأفضلية للمصطلح التراثيّ، ولكن هذه الأفضلية ليست على إطلاقها، بمعنى أنها مشروطةٌ بأن يكون هذا المصطلحُ قادراً على أن يُعبِّر عن المفهوم العلميّ الدقيق للمصطلح الوارد في اللغة الأجنبية. وفي غياب هذا الشرط، يمكن اللجوء إلى البدائل الأخرى المتاحة، ومنها التعريب، وهو الإتيان بالمصطلح الأجنبيّ بلفظه، مع إضفاء الصبغة العربية عليه. ونجد في المبدإ ، رقم (18) شرحاً وافياً للموضوع.
المبدأ ، رقم (7) : تفضيل الكلمات العربية الفصيحة المتواترة على الكلمات المُعرَّبة. يُفَضَّل: (حاسُوب على: كومبيوتر. وإذاعة، على: راديو، وهاتِف على: تليفون...إلخ.)
المبدأ ، رقم (9): تفضيل الصيغة الجزلة الواضحة وتجنُّب النافِر والمحظور من الألفاظ. لعل المقصود بالنافر من الألفاظ، لفظ غير مستساغ، ينفر منه السامع. ويحضرني   هنا أن بعض أساتذة الطب لم يتقبّلوا: مُعَثْكلَة، كمقابل  للمصطلح (Pancreas)، مُفَضِّلينَ : بنكرياس المترجم، مع أن المصطلح (مُعَثْكلَة) أجازَه مجمع اللغة العربية، وورد في المعجم الطبيّ الموحَّد، مشفوعاً بالمصطلح المترجَم بين قوسين.

المبدأ ، رقم(11) : تفضيل الكلمة المفردة، لأنها تساعد على تسهيل الاشتقاق، والنسبة، والإضافة، والتثنية، والجمع.
وبناءً على هذا المبدإ، يُفَضَّل: الحاسوب (Computer) على: الحاسِب الآليّ، لأنّ الصيغة الأولى تمكّنُنا بسهولة من أن نقول: حاسُوبان، حواسِيب، حَوْسَبَة، حاسوبيّ ، إلخ.
المبدأ ، رقم (12) : تفضيل الكلمة الدقيقة على الكلمة العامة والمُبهَمة، ومراعاة اتفاق المصطلح العربيّ مع المدلول العلميّ للمصطلح  الأجنبيّ، دون التقيُّد بالدلالة اللفظية للمصطلح الأجنبيّ.  وكمثال على ذلك: المرض الجِلْديّ المعروف بـ: (Lupus) قُوبِل بـ: قَرّاض (في المنهل) وذِئْبَة (في المورد) وذَأَب ( في  المعجم الطبيّ الموحَّد). ولعل (الذَّأَب) أدقُّ من المصطلحيْن الأُخْرَيَيْنِ.
المبدأ ، رقم (14): تُفَضَّل الكلمة الشائعة على الكلمة النادرة أو الغريبة، إلا إذا الْتَبَسَ معنى المصطلح العلميّ بالمعنى الشائع المُتداوَل لتلك الكلمة.
مثال ، الصفة (Hybrid)، نجد مقابلات مختلفة لها، مثل: هَجِين، خِلاَسيّ، نَغْل، مُولَّد، نلاحظ أنّ: (هَجِين وخِلاسيّ) شائعان. و(نَغْل) نادِر. و(مُولَّد) شائع، لكنه يُحدث لبْسًا لَدَى السامِع.
المبدأ ،  رقم (18) : عند تعريب الألفاظ الأجنبية، يُراعَى ما يأتي: (انظر: أ-ب-جـ-د-هـ) . جاء في البند (د) من المبدإ (18) : تصويب الكلمات العربية التي حَرَّفتْها اللغاتُ الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح.
والأمثلة كثيرة في القواميس الإنجليزية والفرنسية والإسبانية التي اطلعت عليها. وفي ما يلي نماذج من هذا النوع، مأخوذة  من قاموس (المنهل) للدكتور سهيل إدريس: (ALBEDO): نرجعها إلى أصلها: البَياض، بدلاً من كتابتها: (أَلْبِيدُو) . وتُستعمَل هذه الكلمة في مجال علم الفلك، وتعني: نسبة النور المنعكس على سطح الكوكب السيار إلى ما يأتيه من نور الشمس.
(Alcali): نعتمد أصلها: القِلْي، بَدَلاً من كتابتها بلفظها المحرَّف: (ألْكَالِي).
 (Azimut): سَمْت. (Coton): قُطن، بدلا من : كُتن.(Magazin): مَخزَن.(Safran) زَعْفَران. (Smaragdite) : زُمُرُّد.(Sophora): صُفَيْراء (جنس شجر). (Tolisman): طِلَسْم (تميمة) (Taurides): ثُرَيّا (عدد من النجوم).
وجاء في بند (هـ) من المبدإ رقم: (18): ضبط  المصطلحات عامّةً، والمعرب منها خاصةً، بالشكل، حرصاً على صِحة نطقه ودِقّة أدائه.
ولا يسعني ، في هذا المجال ، إلا أن أُشدِّد على أهمية احترام هذا المبدإ ، لأنّ المعنى في اللغة العربية يتغير غالباً  بتغير الشكل (الحركات خاصة) انظر – على سبيل المثال- الفرق الشاسع بين: الْبِرّ (الخيْر)، والْبَرّ (خِلاف البحر)، والْبُرّ  (حَبُّ القَمْح). ولا شك أن إهمال الضبط بالشكل، في مثل هذه الحالات، سيؤدي إلى لبْس في المعنى.
وأُنهي هذه الورقة بملاحظات عامّة على المنهجية، وذلك على النحو الآتي:
-          الأصل أن يُوضَع المصطلحُ في صِيغة الاسم (المصدر)، ويمكن – في بعض الحالات- وضعه في صيغة الفعل، في حالة عدم وجود الاسم، أو شيوع المصطلح في صيغة الفعل.
-          يجب الحرص على التوافق بين مفهوم المصطلحات في اللغات التي يتضمنها المعجم المتعدد اللغات، وذلك دون الإخلال بالمفهوم العلميّ الدقيق للمصطلح . ويستحسن أن يُراعَى التوافق كذلك، إفراداً وتثنيةً وجَمعاً، إلا إذا كان المفهوم العلميّ يتطلب غيرَ ذلك، حَسَب خصوصيات كل لغة.
-          تُحذَف (الـ) التعريف من بداية المصطلح العربيّ، لِيَرِد في مكانه من الترتيب الألفبائيّ. مثال: حاسُوب، بدلاً من: الحاسُوب، ليكون ترتيبُه في مادة (الحاء)، وليس (الألف).
-          يُستَحسن التقريب بين المصطلحات العربية والمصطلحات العالمية لتسهيل المقابلة بينهما للمشتغلين بالعلم والدارسين، وذلك في حالة وجود مصطلح أصيل وفصيح، مثال: ساتل (satellite) ، يُستحْسَنُ استخدام هذا المصطلح، بدلاً من: قمر صناعيّ، الشائع في وسائل الإعلام.
-          ضرورة التعاون –عند وضْع المصطلحات- بين الخبير، والمترجِم، والمصطلحيّ، والمعجميّ، والمراجع اللغويّ، لأنّ هذه المبادئ والملاحظات لا تغني – بأيّ حال من الأحوال – عن وجود فريق إعداد متكامل، على النحو المشار إليه، إذا أردنا إنجاز عمل جادٍّ، يرقى إلى المستوى المطلوب.

ملحق يتضمن المبادئ الأساسية الصادرة عن ندوة الرباط، وهي:
1-               ضرورة وجود مناسبة أو مشاركة أو مشابهة بين مدلول المصطلح اللغويّ ومدلوله الاصطلاحيّ، ولا يُشترَط في المصطلح أن يستوعب كلَّ معناه العلميّ.
2-               وضْع مصطلح واحد للمفهوم العلميّ الواحد ذي المضمون الواحد في الحقل الواحد.
3-               تجنُّب تعدد الدلالات للمصطلح الواحد في الحقل الواحد، وتفضيلُ اللفظ المختصِّ على اللفظ المشترك.
4-               استقراء وإحياء التراث العربّي، وخاصة ما استُعمل منه، أو ما استقر منه من مصطلحات علمية عربية، صالحة للاستعمال الحديث، وما ورد فيه من ألفاظ معرَّبة.
5-               مسايرة المنهج الدولّي في اختيار المصطلحات العلمية، ممّا يقتضي:
أ‌-                    مراعاة التقريب بين المصطلحات العربية والعالمية، لتسهيل المقابلة بينهما للمشتغلين بالعلم والدارسين.
ب‌-           اعتماد التصنيف العشريّ الدوليّ لتصنيف المصطلحات، حسَب حقولها وفروعها.
ج‌-               تقسيم المفاهيم واستكمالها وتجديدها وتعريفهـا وترتيبها، حسب كل حقل.
د‌-                  اشتراك المتخصصـين والمستهلكـين فـي وضـع المصطلحات.
هـ- مواصلة البحوث والدراسات لتيسير الاتصال، بدوام، بين واضِعِي المصطلحات ومُستعْمِلِيها.
6-                 استخدام الوسائل اللغوية في توليد المصطلحات العلمية الجديدة بالأفضلية، طِبْقاً للترتيب التالي: التراث، فالتوليد ( لما فيه من مَجازٍ، واشتقاق، وتعريب، ونحت).
7- تفضيل الكلمات العربية الفصيحة المتواترة على الكلمات المعربة.
8- تَجَنُّب الكلمات العامية، إلا عند الاقتضاء، بشرط أن تكون مشتركةً بين لهجات عربيـة عديدة، وأن يُشار إلى عامِّيَّتِها، بأن تُوضَع بين قوسين، مَثَلًا.
9- تفضيل الصيغة الجزلة الواضحة، و تَجَنُّب النافر والمحظور من الألفاظ.
10- تفضيل الكلمة التي تسمح بالاشتقاق على الكلمة التي لا تسمح به.
11-تفضيل الكلمة المفردة، لأنها تساعد على تسهيل الاشتقاق، والنسبة، والإضافة، والتثنية، والجمع.
12- تفضيل الكلمة الدقيقة على الكلمة العامّة أو المبهمة، ومراعاة اتفاق المصطلح العربيّ مع المدلول العلميّ للمصطلح الأجنبيّ، دون التقيُّـد بالدَّلالة اللفظية للمصطلح الأجنبيّ.
13- في حالة المترادفات أو القريبة من الترادف، تُفضَّل اللفظةُ التي يوحي جِذرها بالمفهوم الأصل بصفة أوضح.
14- تُفَضَّل الكلمة الشائعة على الكلمة النادرة أو الغريبة، إلا إذا التبس معنى المصطلح العلميّ بالمعنى الشائع المتداوَل لتلك الكلمة.
15- عند وجود ألفاظ مترادفة أو متقاربة في مدلولها، ينبغي تحديدُ الدَّلالة العلمية الدقيقة لكل واحد منها، وانتقاء اللفظ العلميّ الذي يقابلها. ويَحْسُن عند انتقاء مصطلحات من هذا النوع، أن تُجمَع كل الألفاظ ذات المعاني القريبة أو المتشابهة، وتُعَالج كلُّها مجموعة واحدة.
16- مراعاة ما اتّفق المختصون على استعماله من مصطلحات ودلالات علمية خاصة بهم، مُعرَّبة كانت أو مترجمةً.
17- التعريب، عند الحاجة، وخاصة المصطلحات ذات الصيغة العالمية، كالألفاظ ذات الأصل    اليونانيّ أو اللاتينيّ، أو أسماء العلماء المستعمَلة مصطلحات، أو العناصر والمركّبات الكيميائية.
18- عند تعريب الألفاظ الأجنبية، يُراعى ما يأتي:
أ- ترجيح ما سَهُل نُطقُه في رسم الألفاظ المعرَّبة، عند اختلاف نطقها في اللغات الأجنبية.
  ب-  التغيير في شكله، حتى يُصبِح موافقا للصيغة العربية ومُسْتَسَاغًا.
جـ-اعتبار المصطلح المعرَّب عربيا، يخضع لقواعد اللغة، ويجوز فيه الاشتقاق والنحت، وتُستخدَم فيه أدوات البدْء والإلحاق، مع موافقته للصيغة العربية.
د- تصويب الكلمات العربية التي حَرَّفَتْها اللغاتُ الأجنبية، واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح.
   هـ- ضبط المصطلحات عامَّةً، والمعرَّب منها خاصَّةً، بالشكل، حِرْصًا على صحة نطقه،   ودقة أدائه.
ملاحظة :
نُشِرَ البحثُ في العدد ( 69 ) من مجلة " اللسان العربيّ " . شعبان 1433 ه / يونيو (حزيران ( 2012 م .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق